كيف وجدت الجزائر نفسها مكتوفة الأيدي في الأزمات الجهوية؟

خرجت الجزائر من اللعبة السياسية عند اندلاع الأزمة الليبية ثم في أزمة مالي… من هي الأطراف التي وضعتها في موقع دفاعي ومنعتها مت التأثير على مجريات الأمور؟

 

عابد شارف

ما هي النقاط المشتركة في أزمة مالي وأزمة ليبيا؟ يمكن حصر هذا السؤال في نقطة أساسية، وهي أن الأزمة تدور بجانب الحدود الجزائرية، مع نتائج مباشرة على بلادنا، لكن الجزائر تجد نفسها مكتوفة الأيدي، لا تستطيع أن تتدخل ولا أن تقوم بدور كبير للدفاع عن مصالحها، فوجدت نفسها في وضع المتفرج الذي لا حول ولا قوة له.

في الأزمة الليبية، كان من المفروض أن تلعب الجزائر ومصر الدور الأساسي في فرض حل للأزمة، بحكم الجوار والجغرافيا، وبحكم أثر الأزمة الليبية على البلدين. وكان من الواضح أن انهيار الدولة الليبية وتقسيم سلاح الجيش الليبي على تنظيمات إرهابية وميليشيات مختلقة سيكون له الأثر المباشر على الجزائر وعلى البلدان المجاورة، وأن المتضرر الأول هو الجزائر.

لكن مباشرة عند اندلاع الأزمة الليبية، قامت أطراف قوية بتنظيم حملة كبرى ضد الجزائر، وقالت هذه الأطراف أن الجزائر تساند الحكم القائم في ليبيا، وأنها تعمل لبقاء معمر القذافي، وأنها تزوده بالمقاتلين والسلاح. وقالوا كذلك أن الجزائر وضعت طائراتها العسكرية في خدمة النظام الليبي، وأنها تنقل المرتزقة الذين يقاتلون في صفوف الوحدات النظامية التابعة للقذافي.

هذا الكلام قالته أطراف عربية وغربية، ورددته أطراف جزائرية كانت تعتقد مسكينة أنها تنصر الديمقراطية. لكن النتيجة الحقيقية لهذا الكلام كانت أنه فرض على الجزائر البقاء في وضع دفاعي، بل وضعها في سجن سياسي ودبلوماسي، ولم تستطع الجزائر أن تقوم بأية مبادرة، وبقيت تحت المراقبة الدولية من بداية الأزمة إلى نهايتها. وفي نفس الوقت، بقي المجال مفتوحا أمام أطراف أخرى كانت تعمل لتفرض حلولا تخدم مصالحها. هذا واقع… هذا ما حدث ميدانيا خلال الأزمة الليبية، ولا بد لكل من ساهم في عزل الجزائر والضغط عليها ومنعها من التأثير على الأزمة الليبية، خاصة من الجزائريين، لا بد له أن يراجع ما قام به، وما كانت نتيجة مواقفه وتصرفاته…

ولعل هذا أول درس استخلصته الأطراف الفاعلة في الأزمة المالية. وكانت أن أول مبادرة قام بها هؤلاء هي عزل الجزائر عن الأزمة حتى تبقى خارج اللعبة. وفعلا، وجدت الجزائر نفسها مكتوفة الأيدي منذ أن قامت مجموعة إرهابية باختطاف قنصل الجزائر وستة من مساعديه في مدينة غاو شمال مالي. ومنذ تلك اللحظة، وجدت الجزائر نفسها في مأزق، لا تستطيع أن تبادر ولا أن تتدخل ولا أن تقوم بعمل مؤثر على الأزمة دون أن تهدد حياة الرهائن.

هذا واقع لا يمكن تجاهله، وهو ما يعطي معنى آخر لعمل هذه المنظمات الإرهابية. ونلاحظ أن منظمة الوحدة والجهاد في غرب إفريقيا التي تبنت اختطاف القنصل والموظفين الجزائريين لا تتحرك إلا لضرب المصالح الجزائرية، حيث تبنت عملية اختطاف ثلاثة غربيين في مخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف، وعملية تفجير مقر الدرك الوطني في تامنراست.

ولا بد من التساؤل: كيف استطاعت هذه المنظمة أن تتوغل إلى مدينة غاو، وأن تقوم باختطاف موظفي القنصلية الجزائرية، بينما كانت منظمات أخرى، وهي منظمة « أنصار الدين » و »الحركة الوطنية لتحرير أوزواد »، كانتا تقتحمان المدينة؟ ألا يوجد تواطؤ وتفاهم بين هذه التنظيمات، لتستولي إحداها على المنطقة، وتقوم الأخرى بعملية الاختطاف لإخراج الجزائر من اللعبة؟

وتزيد الأزمة تعقيدا مع الغموض الذي يسود في العلاقات بين المنظمات المسلحة التي تتحكم في شمال مالي، حيث تختلط فيها العلاقات السياسية بالعلاقات العائلية والشخصية. ومن المعروف مثلا أن قائد حركة « أنصار الدين » تربطه علاقة عائلية مع قائد « الجبهة الوطنية لتحرير أزواد »، وهو ابن عمه. وقد فتحت « الجبهة الوطنية لتحرير أزواد » الطريق أمام حركة « أنصار الدين »، رغم أن الأولى تدعي أنها ديمقراطية عصرية وعلمانية بينما تتبنى حركة « أنصار الدين » فكرا إسلاميا تقليديا.

وقد أعلنت حركة « أنصار الدين » عن اتفاق مع « الجبهة الوطنية لتحرير أزواد » من أجل إقامة دولة إسلامية في شمال مالي. وحسب ما أعلنت عنه منظمة « أنصار الدين »، فإن الطرفين اتفقا على تشكيل « مجلس انتقالي للدولة الإسلامية في أزواد »،. لكن بعد هذا الإعلان، تراجعت « الحركة الوطنية لتحرير الأزواد »، وأكدت أنها لم تمض الاتفاق، وأن المباحثات اقتصرت على مشروع فقط، ولم يتوصل الطرفان إلى اتفاق لأن الخلافات كبيرة ولا يمكن تجاوزها.

هذا دون أن ننسى أن تنظيم « القاعدة في المغرب الإسلامي » مازال ينشط في تلك المنطقة التي جعل منها مقرا لقيادته. وفي هذا الخليط السياسي والعسكري والتنظيمي، تكثر الأسئلة: ما دور هذا الطرف وذاك؟ من هي هذه المنظمة التي تدعي أنها تنشط في فرب إفريقيا ولا تضرب إلا مصالح الجزائر؟ من هي هذه المنظمة التي تدعي أنها ديمقراطية علمانية وتفتح المجال لسيطرة تنظيم راديكالي على كل شمال مالي؟ من هي القوى التي عملت لإخراج الجزائر من الأزمة الليبية، وتعمل اليوم لنفس الغرض في أزمة مالي؟ من وراء هذه التنظيمات التي لا تتحرك إلى بعد أن تضمن عدم تدخل الجزائر؟ وفوق هذا كله، كيف تخرج الجزائر من السجن الدبلوماسي الذي توجد فيه، لاستعادة المبادرة، والتأثير من جديد على مجرى الأحداث، لتفرض حلولا تضمن الحفاظ على مصالحها؟

Article précédent
Poster un commentaire

Laisser un commentaire